روح الجاهلية وجسمها
قال الله جلت عظمته: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (سورة المائدة،21). وقال جل من قائل: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (سورة البقرة،120). فجعلها ملة واحدة، وأدخل أهل الكتاب في ولاء واحد، ضد الإسلام. فوعد الآخرة مواجهة واسعة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، واليهود بعَدَدِهم وعُدَدِهم أقلُّ وأذَلُّ من أن يشكلوا جبهة تقارن بأمة الإسلام.
وعد الآخرة مواجهة بين الإسلام والجاهلية، ولما كان اليهود هم روح جاهلية عصرنا خوطبت روح الجاهلية في القرآن، وعلينا نحن أن نفهم عن الله عز وجل ما جسم هذه الجاهلية وما كتلتها؟ من هم الأبناء وما هي الأموال التي أمد الله بها بني إسرائيل ابتلاء منه لنا بين يَدَيْ وعد الآخرة؟ كيف أصبحوا أكثر نفيرا وأوسع حيلة؟ كيف تمت الوَلاية بينهم وبين النصرانية ومن خلال أي قنوات؟
لا بد من فقه كل ذلك ووعيه سياسيا واقتصاديا وعلميا وصناعيا وثقافيا وعسكريا استراتيجيا ليمكننا إعداد القوة الملائمة وإعداد الخطة ليوم المواجهة. اليهود بالمفهوم العرقي ينحصر عددهم في عصرنا بنحو اثني عشر مليونا نصفهم يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية. هم بقلة عددهم أهون من أن يُسهروا أعين أمة تعدادها ألف مليون. لكن لما كانت أعدادنا المتكاثرة، باركها الله بمنه، أعدادا غثائية لما تستيقظ من سبات ولما تعتصم بإيمان، كان التفوق النوعي لليهود وتمكنهم من الأموال ومن زمام أكبر دولة وأعظمها في العالم عوامل حاسمة في ترجيح كفتهم إلى حد الآن.
اليهود روح الجاهلية، والجسم والكتلة والنفير والنصير والقوة النصرانية المهودة. فبقدر فهمنا لمدى تقمص روح جاهلية عصرنا جسم جاهلية عصرنا نكون أقرب إلى فقه الخطاب القرآني بوعد الآخرة، وخطورة وعد الآخرة بالنسبة للبشرية، وأهمية وعد الآخرة في تاريخ هذه الأمة، وعتبة وعد الآخرة، وتحدي وعد الآخرة.
ليست "قضية فلسطين" قضية محلية، بل هي قضية مصيرية. الآن أخذ العرب يدركون خطورة ما لا قِبل لهم به، واقترحوا تنازلاتهم للاعتراف بالكيان الصهيوني في "حدوده الآمنة". والصهاينة اليهود والمهودون يحلمون بإسرائيل الكبرى، بإسرائيل ما بين النيل والفرات، بل بإسرائيل العالمية التي بشرت بها توراة اليهود.
قضية فلسطين بداية المواجهة الحاسمة بين الحق والباطل، بين الجاهلية والإسلام. مع الجاهلية تنَبؤٌ يهودي بمملكة صهيون الألفية. ومع الإسلام وعد الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالنصر المبين، وبالخلافة على منهاج النبوة، وبظهور هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون.
مع الجاهلية التفوق العددي والتكنولوجي والمالي والعسكري، معها الخبرة والصناعة والتنظيم، معها السبق الزمني في كل الميادين، تطرق الآن وتلج عصر ما بعد الصناعة، عصر المعلوماتية والفضاء والإنتاج الأوتوماتكي والتحكم في الخلايا الوراثية للنبات والحيوان.
ووراء الركب الجاهلي تتعثر خطانا، مسبوقين متخلفين، ممزقة أوصالنا، مبذرة أموالنا، مقَطعة أرضنا، محتلة عقولنا، واهنة عزائمنا.
سنة الله لا تجامل أحدا، وحكمه على الغثاء أن لا ينهضوا لجليل من الأمر ما داموا غثاء.
احتلت اليهودية العالمية العقول من خلال الثقافة الغربية الصائلة في العالم. لهم مقاليد الإعلام؛ الإعلام المرئي، والمسموع، والمقروء، والمخَزّن في الحاسوبات، والطائر على أمواج الأثير مكتظ به الفضاء سائر إلى عصره الذهبي في يوم قريب يستطيع كل من على وجهها أن يسمع ويرى ويتصل بكل برامج العالم. وبرامج العالم تتبارى في عرض الكفر والغفلة عن الله والفتنة بمباهج الدنيا ولذاتها.
إنها مواجهة كونية هائلة بين حق الوحي و"ظن الجاهلية"، بين أخلاق الإسلام و"تبرج الجاهلية"، بين أخوة الناس جميعا والتسامح والرحمة وبين"حمية الجاهلية"، بين عدل الإسلام وشورى الإسلام وبين "حكم الجاهلية".
=======
تابع...